Thursday, September 9, 2010

اللؤلؤ مصدر ثراء الخلیج والمعبر للتجارة العالمیة







جاء اول وصف لعملیة الغوص فی ملحمة جلجامش عن زهرة الخلود، والتی یعتقد الباحثون أن المقصود بها هو اللؤلؤ، واستدلوا على ذلك من وصف طریقة الحصول على الزهرة من قاع البحر، وإن جذورها ممتدة فی أرضه وإن الباحث عنها یستعین بحجر ثقیل لإیصاله إلى قاع البحر. واللؤلؤ كان لسنوات طویلة اساس لاقتصاد مجتمعات عاشت واتجرت فیه وكانت ادواتها لذلك بدائیة الصنع مقرونة مع عزم الغواصین.
وما زالت دول الخلیج العربی تعتز بتجارة اللؤلؤ وتنظر لها بحنین، كیف لا واللؤلؤ كان عماد الاقتصاد ومصدر الدخل لشعوب باكملها قبل ظهور النفط والغاز كما انه مد جسر التواصل بین سواحل الخلیج العربی وبین العالم.
یقول عبد الله آل عبد المحسن الباحث فی التراث فی حدیثه لـ«الشرق الأوسط»، إن موسم الغوص ینقسم الى رحلتین خلال السنة، الرحلة الأولى قصیرة قد تمتد ثلاثة أسابیع أو شهر ویطلق علیها «الغوص الصغیر» والمرحلة الثانیة ویطلق علیها «الخانجیه» أو «الخانكیه» وهی الرحلة التی تبدأ مع فصل الصیف فی شهر مایو وتستمر ثلاثة اشهر ونصف إلى أربعة ونصف، وبعدها یعود البحارة حیث یستقبلهم الأهالی بالفرح والزغارید والغناء والطبول.
یقول آل عبد المحسن ان الاستعدادات لرحلة الغوص قدیما تبدأ أولا بتنظیف السفینة وفحصها ومعاینتها وإغلاق الفتحات ان وجدت خوفا من تسرب الماء لباطنها. ثم یحدد الربان (النوخده) یوماً لإحضار الأدوات والمعدات اللازمة للغوص، وإحضار الطعام والشراب ویطلق علیه «زواده». ویبلع عدد البحارة من 90 إلى 120 فردا فی كل سفینة ویعتمد ذلك على كبر السفینة والتی تسمى خلیجیا بـ«اللنج» أو «المحمل».
وتتعدد تسمیات البحار بحسب مهنة كل واحد منهم، فهناك «النوخده» وهو ربان السفینة وتكون له الطاعة والسمع من البحارة، والغواص وهو الذی یقوم بالغوص فی البحر للبحث عن الصدف، أما «السیب» فهو البحار الذی یقوم بسحب الغواص من البحر بعد أن یشعر بحركة الحبل الذی یحركه الغواص، وهناك الردیف وهو الشخص المناوب للسیب فی حاله غیابه لظرف ما، كقضاء حاجة أو صلاة أو مرض، والتباب وهو من یفلق المحار للبحث عن اللؤلؤ، والنهام وهو مطرب السفینة العارف بتلحین أغانی الغوص فیشحذ همم البحارة للعمل الجاد وللترویح عنهم بعد عناء العمل، و«السكونی» وهو قائد السفینة العارف بطرق ومسلك السفن فی البحر، معتمداً فی ذلك على خبرته ومساعدة «لدیره» التی تهدیه للطریق فی البحر.

ویعمل الغواصون حسب نظام متعارف علیه یتقاسمون فیه صافی الأرباح بنسب متفاوتة حسب رتب البحارة فی السفینة فیتم أولاً ابعاد الخمس لصاحب السفینة وقیمة الطعام. والباقی یوزع على شكل أسهم تسمی «اقلاطات». فیأخذ النوخده سهماً والغواص سهماً فی الرحلة الأولى، ثم یتحول إلى سهم إلا ربع فی الرحلة الثانیة. أما «السیب» فیعطى سهما إلا ربعا، وأحیاناً یتم التقسیم كالآتی، النوخده له سهم واحد بحكم أنه المدبر للعمل وهو جامع اللؤلؤ والمتولی بیعه بینما إذا كان «النوخده» صاحب السفینة أی «مالكها» فإنه یأخذ إلى جانب ذلك الخمس. ویقسم الباقی بین البحارة بعد أن یخصم من قسمة كل واحد قیمة زاده

 


ویستحضر إبراهیم آل ابریه ذكریاته مع الغوض الذی زاوله وعمره وقتها 12 سنة، حیث رافق خاله فی أول رحلة غوص إلى منطقة السعیفة التی تقع فی الزور شرق السعودیة. وبعد تعلمه الغوص كان یذهب ماشیا من منطقته سنابس التابعة لجزیرة تاروت مع مجموعة من أصدقائه للغوص فی مناطق تبعد كیلومترین عن الیابسة. ویذكر انه باع أول دانة حصل علیها بـ 800 ریال (213 دولارا). ویقول آل ابریه، ان الأدوات القدیمة التی كان یستخدمها الغواصون كانت بدائیة الصنع وتضم ما یعرف بـ«الفطام»، وهی قطعة صغیرة تصنع من عظام السلاحف طولها نحو إصبع، ولـ «الفطام» فتحة یضعها الغواص على أنفه لمنع تسرب الهواء ودخول الماء ، ثم «الدیین»، وهو وعاء من الحبال الرفیعة كهیئة الغربال وله من الأعلى قوس من الخشب یضع الغائص المحار بداخله، و«الخبط» عبارة عن وعاء صغیر من الجلد یوضع على أطراف الأصابع، یضعه الغواص أحیانا لحفظ أصابعه من شر الجروح التی تحدث له من بعض أنواع المحار، وأخیرا «الحجر» وهو قطعة من الرصاص أو الصخر تساعد الغواص على النزول إلى قاع البحر بواسطة ثقلها.
وعادة ما یرتدی الغواصون «الشمشول»، وهو سروال قصیر أسود اللون، وقمیصا له أكمام طویلة یلبسه الغواص لیتجنب هجوم حیوان هلامی یسمى «الدول»، ویحمل الغواص معه أیضا «الایدة»، وهی عبارة عن حبل طویل لیسحب «السیب» الغائض من قاع البحر بواسطته وطوله 72 مترا إلى 81 مترا، و«الزیبل» وهو حبل طویل یسحب السیب بواسطته الحجر من قاع البحر بعد وصول الغائص إلى قاع البحر وطوله نحو 36 مترا.
ویطلق الغواصون على أماكن الغوص «مغاصات» أو «هیراق» وهی كثیرة جداً ومنتشرة فی عرض الخلیج العربی، منها هیر هوره، هور أبو سعفة، وهیر لغلیل، وهیر لغبیبه، وهیر القرین، وهیر أبو عصیه، هیر شدوخ، وهیر أبو عمامة، وهیر أم الخریش، وغیرها كثیر


 

یعرف الكثیر اللؤلؤ على انه حجر كریم غالی الثمن وجمیل الشكل، ویجهل الغالبیة كیفیة تكوین اللؤلؤ، والذی یتكون نتیجة دخول جسم غریب مثل ذرة رمل أو كائن دقیق داخل المحارة (الصدفة) فیتأذی الحیوان الرخو الذی یسكن داخل الصدفة فیدافع عن نفسه بأن یفرز مادة لؤلؤیة تجعل ذلك الجسم الغریب أملس ناعما مستدیرا تقریبا حتى لا یؤذیه، حیث یكسوه بطبقات من إفرازه، فتتكون من جراء ذلك اللؤلؤة، وتكون جودتها على قدر قوة إفراز الحیوان، والحیوان نفسه بواسطة إفرازاته یجعل داخل المحارة لامعا أملس وهذا السطح اللامع هو الذی یساعد على تكون اللؤلؤة فیعطیها الضوء البراق. ویصنف اللؤلؤ حسب الحجم والجودة والوزن، ویكسب سعره من خلال هذا التصنیف.
ولقیاس وزن اللؤلؤ یستعمل عدد من الطاسات النحاسیة المثقوبة والمعدة لهذا الغرض. ویسمى اللؤلؤ حسب الحجم، فالكبیرة الحجم منه یطلق علیها «رأس» وهی التی تحتجز فی الطاسة الأولى، یلیها «بطن» ثم «الذیل» و«السحتیت» وهو من أصغر الأنواع. ویصنف اللؤلؤ حسب الجمال والجودة، فتسمى اللؤلؤة الجمیلة «جیون» وهی كلمة هندیة وتعنی الجمیل، و«خشن» و«جولواه» و«بدله» و« ناعم» وأخیراً «بوكه»





ویصنف اهل الخلیج اللؤلؤ من حیث اللون إلى المجموعات التالیة: المشیر الأبیض المشرب بحمرة وردیة وهو أحسنها وأندرها، وإذا كانت اللآلئ بهذا اللون وكانت كاملة التكوین ملساء براقة، فهی أجودها قاطبة. والنباتی وهو الأبیض المشرب بحمرة أقل، غیر ناصع البیاض، وبه صفرة مثل لون السكر نبات. یلیه الزجاجی وهو أبیض ناصع البیاض زجاجی براق لامع كأنه شفاف، ثم السماوی وهو ما كان لونه سماویا مائلا للزرقة الخفیفة بلون زرقة السماء الصافیة. ثم السنقباسی، وهی لفظة هندیة، وهو اللون الذی یشتد فیه الأزرق أكثر من السماوی ویمیل إلى الرمادی أكثر. والقلابی وهو اللؤلؤ ذو اللون الأبیض الممزوج بألوان الطیف الشمسی حیث یتقلب لونه بحسب الضوء. والخضراء وهی التی یمیل لونها إلى الاخضرار، وهذا أردأ أنواع اللؤلؤ وأقله قیمة. ویوضح علی مدن، الطواش وتاجر المجوهرات، أن سوق اللؤلؤ كان یقدر بالملایین، ولكنه حالیا غیر متوفر بكمیات كثیرة ولا یزال البعض یطلبه، خصوصا الغربیین الذین یقیمون فی السعودیة.
وساهم استخراج النفط فی اندثار مهنة الغوص، حیث اتجه الكثیر من الناس للعمل فی معامل النفط. كما كان ابتكار الیابانی میكوموتو لأسلوب زراعة اللؤلؤ الوفیر والرخیص، عاملا لانصراف أبناء الخلیج عن مهنة استخراج اللؤلؤ الطبیعی